The News Jadidouna

العالم لن يبقى كما كان بعد “كورونا”

 

لن يكونَ العالم بعد جائحة كورونا كما كان. كلامٌ يتّفق عليه اليوم كل المعنيين بالشأنين السياسي والإقتصادي عبر العالم. وحدهم الناس، الذين ليس من واجبهم ان يُفكّروا أبعد من إطارهم الخاص، يعتقدون أن العالم ينتظر لحظة رحيل الوباء ليستأنفوا حياتهم من حيث توقفت.

من الملياردير والمستثمر الأميركي “راي داليو” (Ray Dalio) الى مؤسس ورئيس المجموعة الدولية التي تحمل اسمه طلال أبو غزالة، ومن “بلومبيرغ” الى “فايننشال تايمز”، أجمع المُحللون قبل الجائحة على اعتبار العام 2020 عام الأزمة الإقتصادية العالمية المُعمَّمة المدفوعة بأزمة الديون العالمية التي أُضيفت إليها أزمة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما بين روسيا والإتحاد الاوروبي وإن بحدة اقل تأثيراً في الإقتصاد العالمي.

لقد جاءت الجائحة لتلعب دور المُسرّع الأكثر تطرفاً لتظهير أزمة احتاجت لفترة حضانة منذ العام 2009 على عكس أزمة حضانة الأيام للوباء.

 

 

لقد درست الامم الكبرى سيناريوهات متعددة للأزمة الإقتصادية. وإذا كانت الأزمة ستقع فعلى الحكومات وعالم الشركات ان يُفكرا في استراتيجيتين متلازمتين: تصغير الخسائر في المدى القصير، وتعظيم المكاسب في المدى الطويل.

سوف يعني ذلك بالمعنى الواسع للكلمة تلقّي الصدمة ثم تحويل كلفة الأزمة الى الأطراف الأضعف في النظام. هكذا دفع العالم ثمن ازمة سوق العقار الاميركية بين العامين 2006 و2008 عبر الأدوات المالية المدعومة بالرهن العقاري الاميركي.

الأزمة الحالية، ووفقاً لسيناريوهات ما قبل الوباء، بدأت الإستعدادات لها مع جموح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتدفيع العالم ثمن استمرار تشغيل إقتصاد بلاده عبر إجبار حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي على تمويل ضخم للإقتصاد الاميركي، ومحاولات تدفيع أوروبا ثمن الحماية العسكرية. إن مطالبات الولايات المتحدة الصين بتعويض عن استخدام براءات الإختراع الاميركية يدخل أيضاً في هذا الإطار.

 

 

مع بداية ظهور فيروس كورونا في الصين حاولت واشنطن أن تخصم الأزمة الصينية في حساب الحرب التجارية بافتراض ان الصين ستغرق في الوباء بما يسمح بانتاج اتفاق شامل في مصلحة الإقتصاد الاميركي.

مع خروج الصين النسبي من الازمة الوبائية وتمظهر الازمة كجائحة عالمية تتغير معطيات إعادة توزيع الأعباء وتحويل أكلاف الأزمة الإقتصادية.

بعد كورونا تقف أمم الأرض أمام حساب التاريخ. كل أُمّة بما جهّزت نفسها ليوم الحساب هذا. لذلك نجد إيطاليا متروكة لمصيرها المرعب، رغم ان ذلك يضع الاتحاد الاوروبي أمام أزمة أخلاقية ولكن ذلك ليس أقوى من غريزة البقاء.

 

 

كل أُمّة تستجمع قواها اليوم للتعامل مع تعطيل الاقتصاد العالمي ومع الحاجة إلى الصمود اطول فترة ممكنة في ظل توسّع الأزمة. ومَن لديه موارد تفوق حاجته، له حسابات في الجيوسياسة والجيواقتصاد العالمية، وفي حماية وجوده في التاريخ لعقود مقبلة، لن يجد أفضل من هذه اللحظة الإستثنائية لحصادها.

“تزرعون سبع سنين متتابعة بجد وعزيمة، والذي تحصدونه اتركوه في سنابله لكي لا يأكله السوس (إلّا ما أردتم تناوله)، واتركوا الباقي حيث تأتي سبع سنين شديدة مجدبة ذات قحط على الناس بلا زرع ولا حصد، وتأكلون ما ادّخرتم إلّا ما تتركونه لأجل الزراعة بعد ذلك. ثم يأتي بعد ذلك عامٌ فيه يُغاث الناس ويمطرون فيزرعون ويحصدون ويعصرون العنب وغيره لكثرة الخصوبة في الأرض والماء”. (النبي يوسف للفرعون).

هناك أممٌ زرعت وتركت ما فاض عنها للسنين الشديدة المجدبة، أو استثمرت من هذا الفائض لتزيد غلال السنين المجدبة (علماً وبحثاً واختراعات)، وأمم استهلكت حتى اتخمت ولم تحسب حساباً للزمن، إستدانت حتى الثمالة واستهلكت ما استدانته وتقف اليوم بجيوب خاوية على مفترق رصيف العالم. هذا حساب الارض الذي تسأل عنه الأمم قبل القيامة وقبل يوم الحساب الكبير. وحين يعود المطر لن يكون لكل شعوب الارض حقاً متساوياً بالقطاف. العالم سيتغير كثيراً بعد الوباء.

البروفسور بيار الخوري أكاديمي لبناني وباحث في الإقتصاد السياسي.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy