The News Jadidouna

بعد أربعة أشهر على الثورة.. هذا موعد نهايتها!

لم يكن ليتوقّع أحد أنَّ الشعب اللبناني الذي أغرقه ساسته بمستنقعات الذلّ على أبواب التّنفيعات والمحسوبيات وتضرّجت أيّامه بالغرق في حروب زعماء المحاصصة الذين ما يلبثون على تأجيج الغرائز حتّى يعودون إلى ممارسة ألعابهم المعهودة أسفل الطاولات، قد يقوم من سُباته وينتفض على ذاته في ثورة مجيدة لم تنشد سوى الحياة الكريمة في السابع عشر من شهر تشرين الأول من العام المنصرم.

مع إكمال الثورة شهرها الرّابع، لا بُدَّ من جردة حسابٍ لِما أنجزته هذه الانتفاضة العارمة ولِما أخفقت في تحقيقه، مع لحظِ بدايةً، وجوب إسقاط أيّ صبغة تمسّ نقاوة تحرّكات اللبنانيين لناحية الحديث عن تدخّلات أجنبيّة وتنفيذ أجندات خارجيّة، كون المُحرّك الأوّل والأخير للشعب الثائر كان إنعدام الفرص والذلّ في المعيشة وفقدان أبسط حقوق المواطن.

“إسقاط الحكومة” وهي حكومة العهد الثانية التي ترأسها الرئيس سعد الحريري بعد الانتخابات النيابية العامّة في العام ٢٠١٨، كانت المطلب الأوّلي للبنانيين الذين ملأوا شوارع لبنان الرئيسيّة من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت حتّى البقاع.

بعد استقالة وزراء “القوّات” في اليوم الثالث للثورة، إتّسم موقف الحكومة بالعناد مع تصاعد وتيرة التّظاهرات السّلميّة بحيثُ إتّجه أركانها إلى إعداد موازنة العام ٢٠٢٠ في وقتٍ قياسيّ جعل أرقام الأخيرة شبه خياليّة مع تصفير العجز بعيداً عن الواقع الذي يحكم الماليّة العامّة.

الرئيس الحريري الذي لمس غضب النّاس على مكابرة الحكومة، أعلن إستقالة الأخيرة بعد إثنيّ عشر يوماً دون تنسيق موقفه مع باقي أركانها.

بعد ذلك، إنتقل “الثوّار” نحو الضغط لتكليف شخصيّة مستقلّة من خارج عباءة السلطة، ومع تساقط المرشّحين الواحد تلوى الآخر شعبياً، إتّخذت السلطة قراراً ثنائيّ الأبعاد في تحدّي “الثورة” مع تكليف الرئيس حسّان دياب من جهّة والانقضاض أمنياً وعسكرياً على اللبنانيين من جهّة ثانية.

لا شكّ أنَّ نجاح السلطة منفردةً في تأليف حكومة العهد الثالثة يُناقض هدف الثّورة، إضافةً إلى أنَّ تعاظم جرأة الحكّام في توظيف الأجهزة الأمنية لممارسة “عسكريتاريا ردعية”، يُعدُّ أكبر تحدٍّ للثّورة اللبنانيّة توازياً مع مواصلة الضغط للوصول إلى الغاية المنشودة في تطهير الدولة والمؤسسات من خصومها.

وبعد أن نجحت حركة الشعب اللبناني في الانعطاف بشكل حادّ عن المعايير الطائفيّة والمناطقيّة في مقاربة الأمور، تقف اليوم أمام حدٍّ فاصل، خصوصاً مع محاولة أكثر من طرف سلطوي لإعادة إيحاء اللغة المذهبيّة أكان من باب الصّراعات الاقليميّة أو الملفات الدّاخليّة، كما اقتراب الأزمة الماليّة من خط الانفجار وما يمكن أن ينتج عن ذلك من إنعكاسات سلبيّة كارثيّة على الوضع الاقتصادي، قد تكون قابلة لاستغلالها في غير مكانها مع اللعب على الوتر الأمني وإفراغ المطالب الشعبيّة من فحواها.

وهنا لا بُدّ من تعداد بعض الخطوات التي اتّبعتها السلطة الحاكمة يوم لمست بعض الهدوء في تحرّكات النّاس، فعملت على تخفيض معدّل السّحوبات الأسبوعيّة بعد وقوف اللبنانيين بالصّفوف وإلتزامهم الاحتجاج السّلمي، كما لجوئها إلى تكثيف الاستدعاءات بعد إلتزام اللبنانيين “الاستنكار الالكتروني”؛ حتماً هي ليست دعوة لخروج التّحرّكات عن إطارها السّلمي، ولكنّها جرس إنذار للحفاظ على ديمومة ما بدأ منذ أربعة أشهر.

المطلوب توحيد الصّفوف مع كلّ ثائر، كلّ معارض، كلّ ملتزم بسقف الثورة ولو كان حزبياً، كلّ راضخ لإرادة الناس ولو مرّ يوماً في جنّة السلطة دون أن يتلوّث بوحولها. توحيد الموقف ومن ثمّ توحيد الخطوات يُشكّلان المسار الوحيد لاستثمار الجهود في كافّة مشاربها. ومع لامبالاة جزء كبير من السلطة إزاء ما ينتظر اللبنانيين من مصاعب، يبقى وعي النّاس رغم الألم هو الأساس لمدّ الثورة بالحياة وحسم موعد إنتهاء أطماع المتعمشقين بالكراسي ولو بعد برهة.

بقلم ريتا العضيمي

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy