The News Jadidouna

لبنان اول المتضررين من صفقة القرن!

لبنان معني بتداعيات “صفقة القرن” مثله مثل الفلسطينيين، وهو يقف في وجه ما تقدّمه هذه الصفقة من مغريات مادية، حتى ولو كان في حاجة ماسّة إلى كل دولار في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة التي يعيشها، وقد يكون لرفضه أثمان باهظة، إذ أن الولايات المتحدة الأميركية سترهن ما يمكن أن تقدّمه له من مساعدات بالموقف الذي سيتخذه، خصوصًا بالنسبة إلى موضوع توطين الفلسطينيين الموجودين على أرضه.

وعلى رغم ما في”صفقة القرن” من مغريات إقتصادية لم يُسمح لجاريد كوشنير بأن يمرّر ما لا يمكن القبول به فلسطينيًا، خصوصًا أن لا أحد من الحكومة الفلسطينية قد حضر مؤتمر المنامة، الذي قاطعه لبنان تضامنًا مع الفلسطينيين أولًا، وتعبيرًا عن رفضه ما في هذه الصفقة من مشاريع تهدف إلى توطين الفلسطينيين حيث هم، وهذا الأمر يجمع اللبنانيون، بكل أطيافهم، على رفضه والعمل على وأده في مهده، قبل أي شيء آخر.

وعلى رغم ما تتضمنه هذه الصفقة أيضًا من مغريات إقتصادية، والتي تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار استثمارات وتعزيز البنية التحتية والسياحة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الدول المجاورة مثل مصر والأردن ولبنان، فقد فات الرئيس الأميركي أنه ليس بـ”الخبز وحده يحيا الإنسان الفلسطيني”، الذي يقاوم بكل أشكال المقاومة ما يُحاك ضده من مؤامرات تهدف إلى تمييع قضيته الأساس وإغفال حقه بإقامة وطن كامل المواصفات، وأن يعيش الشعب الفلسطيني بكرامته وحقّه بسيادة غير منقوصة وغير منتهكة، وهذا الأمر يغيب كليًّا عن بال دونالد ترامب.

فـ”صفقة القرن” تشبه زفافًا يحضره العريس ولا تحضرالعروس، وهي المعنية أولًا وأخيرًا بهذا الزفاف، الذي لن يكتمل إن لم يقل العروسان هذه “النعم” كشرط أساسي لكي يكون للزفاف مشروعية تأسيس عائلة قوامها رضى الطرفين، مما يعني أن هذا الزفاف هو في حكم البطلان، حتى قبل عقد القران القائم على مبدأ الإكراه، إذ أن كل ما هو مبني على باطل فهو باطل.

وإذا كان ترامب يعتقد أن الأوطان تشرى وتباع فهو ليس فقط مخطئًا بل لا يعرف شيئًا عن تاريخ النضال الفلسطيني، ولم يقرأ شيئًا في كتب التاريخ عن نضالات الشعوب، ومن بينها الشعب الأميركي في مراحل سابقة على سبيل المثال لا الحصر، وهو لا يعرف أن من بذل دمًا غاليًا وذرف الكثير من الدموع نتيجة القهر لن يقبل بمال الدنيا بديلًا عن كرامة لا تزال تعني الكثير للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، وهو على إستعداد لتقديم أقصى التضحيات من أجل الحفاظ عليها.

ما يجمع عليه الفلسطينيون في رفضهم هذه “الصفقة” يمكن ترجمته بكلمة واحدة يوجهّونها إلى ترامب: “خيّط بغير هذه المسّلة”.

وعلى رغم معرفة الفلسطينيين بأن رفضهم السير بهذه الصفقة سيكون له أثمان باهظة فإن لسان حالهم يقول “ما همّ الغريق من البلل”!

وكذلك يعرف لبنان أن وقوفه إلى جانب الفلسطينيين ورفضه هذه “الصفقة – الصفعة” ستكون له إنعكاسات قد تدفع أميركا إلى شدّ الخناق الإقتصادي عليه ورفع منسوب العقوبات الإقتصادية، التي ستطاول هذه المرّة رجال أعمال لبنانيين ستوجه إليهم تهم مساعدة “حزب الله”، وهذا ما سيزيد من تدهور وضع لبنان المالي والإقتصادي، خصوصًا بعد قيام حكومة تعتبرها واشنطن بأنها حكومة “حزب الله” بإمتياز، بعدما تحوّل من هيمنة مقنّعة، وفق نظرة الأميركيين، إلى هيمنة مباشرة على القرار السياسي اللبناني، مما يعطي الأميركيين حجة إضافية لتضييق الخناق على لبنان، الذي لا تنقصه المزيد من المضايقات، وهو الذي يعاني مع هذه المضايقات ومن دونها ما يعانيه، ولكنه لن ينصاع لما تريده أميركا من “صفقة القرن” حتى ولو كانت أثمان موقف لبنان الرافض مرتفعة ومكلفة كثيرًا.

مما لا شك فيه أنه سيكون لهذه الصفقة هامش واسع في البيان الوزاري، الذي لم تنتهِ اللجنة الوزارية من صياغته في شكل نهائي، وهي تتأنى في ذلك، حرصًا منها بأن يأتي على غير البيانات الوزارية السابقة، بحيث تغيب الوعود وتحلّ محلها طروحات عملية وواقعية، ومن بينها موقف الحكومة من “صفقة القرن”.
اندريه قصاص-لبنان24

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy